بقلم / مجاهد منعثر منشد
نجوم شاحبة والقمر محمر كعين دامعة , رمال الصحراء تتململ كأنها تتزلزل وتجهش بالبكاء , أيرحل الفضاء الذي يربط الأرض بالسماء !
أيغيب نوره فيسود الفضاء وتغدوا الأرض والسماوات ظلام دامس ؟
لملم جبرائيل أذياله , سيغادر المكان معتنقا حبيب الله , أينقطع الوحي والخطاب ؟
قضية أكبر من أن يرهقها الجبن وأوسع من أن يجمدها الخوف وأجل وأثمن من أن يقيمها الفقر .
من كانت بحضن أبيها وبين ذراعيه وتحت عينيه يضمها كأنها الشوق، يعانقها كأنها الحنين، يلثمها كأنها البراءة؟
أليس ربيبه ووصيه كان أنيس طفولة وساحة ملعب , شب وشبت , اكتملت وسع حدقتيها، أصبحت تملك عدسه منظار, أذن الله بزواجهما, وغدا خيالا لطيف ومرأة لجبين , ترى في عينيه طيف أبيها وظل ذاك الجبين , نفس أبيها تلك أم أبيها , تهواه , أصبحت تهواه معكوسا عليه وهج أبيها.
من سبطيه وحبيبته بعد بضعته , ألم يخرجوا من الينبوع العذب والشمس الطاهرة ككوكب دري ؟
أصحاب الكساء الخمسة , أول الأصوات صوت الآذان بحنجرته المقدسة ينسكب في أسماعهم الملهوفة لطلعته البهية , بنور عينيه الساطع وانفاس محياه أزال عنهم غشاوة الأبصار , هواه يلاطفهم في المهد حتى أسمائهم من الرب الرحيم على لسانه الطاهر , ألم يضمهم صدره الحنون وغذاهم , أليس صدره مأوى وذراعه مهدا ؟
كل بدر من إله يراه بعين قلبه , رفعه بيديه الرحيمتين , ضمه لصدره وقبله بشفتيه الشريفتين , عيناه سكبتا في أرواحهم أول شعاع , انهم منه وهو منهم , بنور واحد وضعه الواحد لا أحد سواه , فكان قاب قوسين أو أدنى إلى العلي الأعلى …
نزل الوحي على النبي: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ), خاطبه بما تبقى من إكمال الدين وتأكيد الحجة ومن الحجة ووصيه من بعده .
أستشعر قرب الآجل المحتوم, دخل على فاطمة في بيتها أخبرها: إِنَّ جِبرائيلَ كَانَ يُعارضُني بالقُرآنِ في كُلِّ سَنَة مَرَّة، وإِنَّه عارضني به العام مرتين، وَما أرَى ذَلك إِلاَّ اقتِرَاب أَجَلي!
خفق قلبها بعنف , أج سعيرها , اختنقت بعبرتها , أخرجتها زفرات كاد يتفتت كبدها , تحدق وتناثرت الدموع من عينيها , وكأنها تجلس أرضا وأنفاسها تغمغم وكأنها تسأل النبي بين شهقاتها : لا تتركني من بعدك طويلا ياحبيبي يارسول الله !
سيدتي يا فاطمة الزهراء أطأطأ رأسي أمامك وأتنهد…
يتعثر الحر بأذياله ويختنق الشريف على ما جرى لفقد حبيبي الله المصطفى , وتترقق الدموع لمصابك, فأرفع العزاء لمقامك أولاً , ولمن غمد سيفه يوم رحيله لمصلحة الإسلام قالع باب خيبر ثانيا , ولريحانتيه وسبطيه الإمامان أن قاما أو قعدا مسموما ومنحورا ثالثا , وأم المصائب الحوراء زينب رابعا , ولذرية الحسين التسعة المعصومين الذين قضوا نحبهم ما بين مسموم ومقتول وآخرهم القائم الحي منهم خامسا .
يا سيدتي من بعد رحيل النبي ورحيلكم وإلى اليوم العالم عالم فناء وظلم وبغي فعظم الله أجوركم جميعا .